الحمد لله إذ بلّغنا رمضان غير سقماء ولا محرومين، ولا مرتدين عن ديننا ولا مغيرين ولا مبدلين، نحمده بأن كنا عبيداً مملوكين له، له الحجة علينا ولا حجة عليه، لا نقدر أن نأخذ إلا ما أعطانا، ولا أن نتقي إلا ما وقانا، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، له الحمد كالذي يقول، ومثل ما يقول وخيراً مما نقول، له الحمد كله ويبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه المصير.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى من اتبع هداه إلى يوم الدين
أما بعد:
لقد جاء رمضان، لينيب الناس فيه إلى ربهم، ويؤمُّوا بيوته، ليعمروها بالتراويح والذكر، تمتلىء بهم المساجد، متعبدين أو متعلمين، والمساجدُ في الأقطار، حفَّلٌ بالعباد صفاً واحداً، متراصة أقدامهم وجباههم على الأرض، سواء الغني والفقير، والوضيع والغطريف، الصعلوك والوزير والأمير، يذلون لله فيعطيهم الله بهذه الذلة عزة على الناس كلهم، إن حَسُن القصد واستُصوب العمل، ولا غرو أيها المسلمون، إن من ذلّ لله أعزّه الله، ومن كان لله عبداً مطيعاً جعله الله بين الناس سيداً، ومن كان مع الله تبارك وتعالى باتباع شرعه والوقوف عند أمره ونهيه كان الله معه بالنصرة والتوفيق والغفران.
وبذلك عباد الله ساد أجدادُنا الناس، وحازوا المجد من أطرافه، وأقاموا دولة ما عرف التاريخ أنبل منها ولا أفضل، ولا أكرم ولا أعدل، فماذا بعد الحق إلا الضلال، نعم، لم يكونوا خواء، بل إنهم يُذكرون إذا ذُكر رمضان، ويُذكر رمضان إذا ذُكروا، فيه نُزل القرآن على سيد البشر صلى الله عليه وسلم وهو لعمر الله حياة الناس عند الموت، ونورهم عند الظلمة.